صحتنا

علقة حولت جمعة أيقونة شعبية

أحب الفن صغيرا، حين كان يصغي لأغاني (طارق عبدالحكيم) و(محمد علي سندي) تبثها الإذاعة السعودية، فيما أثير إذاعة البحرين يصل للرياض ليلا، يبث أغاني (فن الصوت) التراثي والغناء البحريني واليمني، فتشرب الفن والموسيقى، وظل يمضي ليال من أجمل الليالي وأمتعها، منصتا ومستمعا للأغاني، ملازما مكانه جوار جهاز الراديو.

كانت الأغاني اليمنية تروق له، وأكثر ما لفت انتباهه هو صوت (محمد سعد عبدالله) خاصة أغنية (كلمة ولو جبر خاطر)، بالإضافة لمتابعته أغاني التراث (محمد زويد) و(ضاحي بن وليد) و(محمد فارس) وغيرهم. من هنا بدأ يتشكل فنان ولد في حي الشميسي بالرياض عام 1380 كون شعبية واسعة، اسمه (سعد عبدالله بن حسين الجمعة)، ردد الكثيرون أغنياته طيلة حقبة الثمانينات من القرن الماضي، ليكون (سعد جمعة) أحد أيقونات الغناء الشعبي في السعودية بتلك الحقبة.

غناء مبكر

تأثر سعد جمعة – كما يتأثر كل المطربين في بداياتهم بفنان معين- بالفنانين السعوديين (سلامة العبدالله) و(فهد بن سعيد) و(بشير شنان) و(عيسى الأحسائي)، كان يستمع إليهم عبر الأسطوانات، حين يصعد سيارة أخيه الأكبر (حسين جمعة) لتتاح له فرصة سماع الأغاني.

في طفولته كانت بعض العوائل ميسورة الحال بالرياض تضع برميلا لـ(الكيروسين) خارج المنزل، يقف عليه (سعد) يطبل ويغني ويصدح بالصوت، ما سبب إزعاجا للجيران الذين شكوه لوالده، فكانت النتيجة (علقة ساخنة).

اكتشاف الموهبة

لم يتقبل والده فكرة الغناء مطلقا، لكن الوضع تغير، اختلفت الظروف حين انتقلت الأسرة من حي (الشميسي) إلى حي (الجرادية). هناك وبالمصادفة تعرف على جارهم الفنان (محمد الربيّع) الذي كان كما يصفه سعد مدرسته الفنية. عزف معه الإيقاع ووقف مع الكورال يغني معه، وكل هذا دون علم أهله بالطبع. قال له ربيع ذات يوم، إن صوته جميل، شجعه على الغناء وأهداه عودا، إعجابا ودعما له لإيمانه بموهبته. ما أن ذهب إلى البيت وشاهد والده العود، حتى غضب منه وثار عليه، حطم آلة العود وطرد سعد من المنزل. لجأ سعد لبيت نسيبه، لتبدأ مسيرة جديدة في حياته. وجد راحته هناك، بدأ ذاتيا تعلم العزف على آلة العود، دافعه (حب الموسيقى)، وانطلق يغني مع الأصدقاء.

أصداء الشريط الأول

عام 1400، حانت أمامه أول فرصة ذهبية للانطلاق. عرض عليه صديقه (فهد الحمدان) الذي كان يملك استريو في حي منفوحة بالرياض اسمه (أنغام وألحان) تسجيل جلسة غنائية. طرحت الجلسة في الأسواق، فبدأ الناس يعرفون (سعد جمعة) بعد أن كانوا يظنون في بادئ الأمر أنه كويتي كونه اسما جديدا، وهو أيضا كان محباً للفن الكويتي، إذ غنى أغنية بعنوان (الشوق مر وخذانا) تأثراً بمعلمه (محمد الربيّع) الذي كان عاشقاً للأغاني الكويتية، فتشرب منه ذلك الفن. أول أغنية له بالشريط الذي حوى خمس أغان، (قالوا علامك تزور حي البديعة كل يوم) من كلمات (عبدالله أبوفيصل)، إضافة إلى أغنية (ياما سهرنا الهوى)، وحقق الشريط نجاحا واسعا وصدى كبيرا.

أول مواجهة مع الجمهور

في حفل زواج، وبحضور مجموعة من عمالقة الغناء الشعبي في تلك الفترة أمثال (بدر الحبيبشي، وعبدالرحمن النخيلان)، كانت انطلاقة حقيقية أخرى خارج الكاسيت لأغنية (قالوا علامك تزور) التي كانت وجه خير عليه، وبدأ الطلب عليه في حفلات خاصة، انتشر اسم (سعد جمعة)، وعرف أكثر.

وبعد تشبعه من تلك الحفلات، رأى أنه آن الأوان لوضع بصمته، وتحقيق استقلاليته، فقرر الاعتماد على نفسه.

الانطلاق وبوابة الشهرة

شركة (الوادي الأخضر) كانت تحقق أصداء واسعة في إنتاجها الفني، فكانت المنتج لأول البوم لسعد جمعة مع الشاعر (علي القحطاني)، ضم مجموعة من الأغاني التي كانت جميعها من ألحانه، ومن ضمنها أغنية (زارني عقب العشا) التي حملت عنوان الألبوم، إضافة إلى العديد من الشعراء أمثال (حمد المغيض) (عبدالكريم الأحمد) و(عبدالرحمن المطرف). انهالت على سعد عقب الألبوم عروض الشركات، زادت شهرته ومعجبيه، ليصدر ألبومه الثاني مع شركة (روتانا) ثم (الأوتار الذهبية) و(فنون الجزيرة) في مهرجان غنائي ضم الفنانة (ماري سعيد) والفنان (حسن مسعود) والفنان (خالد جمعة).

ثم دخل مرحلة تسجيل عدد من الجلسات للتلفزيون السعودي في برنامج (فوق الرمال)، وصاحبه في التسجيل الفنان (بديع مسعود) والفنان (محمد سعد عبدالله) الذي أبدى إعجابه به وأثنى على إجادته وتأديته للون اليمني بطلاقة وجراءة وفن، كانت شهادة يعتز بها كثيراً.

حفلات وانتشار

هذا التدرج من الجلسات ثم التسجيلات، قاد سعد جمعة إلى إحياء الحفلات التي كانت لها أهمية في مشواره الفني، مثل حفلة فندق سميراميس في (القاهرة) بصحبة (الفرقة الماسية)، شاركه فيها الفنان (علي عبدالكريم) ومن الكويت الفنان (عبدالله الرويشد)، أتبعها بحفل في دبي بالإمارات، بعد ظهور ألبومه (دوشة) 1415 الذي ضم أغنية (حكم علي زماني) من ألحانه، وكانت باقي الأغنيات من ألحان (خالد هياس). ووصل صوته إلى (لندن) عندما أحيا حفلتين، وألحقها بغنائه في (البحرين، قطر، والمغرب) وأتيحت له فرصة للغناء في (سورية) ولكن لارتباطه بحفلات لندن لم يحالفه الحظ فيها، وأيضا لم يستطع السفر للغناء في حفلات (اليمن) بمشاركة الفنانة (نوال الكويتية) بسب ارتباطه بتسجيل ألبوم جديد في (القاهرة).

بينما لعبت أغنية (كم كنت أنا أحبك ومتمسك فيك)، دورا في انتشاره خليجيا خصوصا بعد تسجيلها في تلفزيون (الكويت)، وهنا يتذكر أن المخرج الكويتي (علي الريس) قال له: لم تمر عليه أغنية عليها طلب من الجمهور مثل هذه الأغنية.

شخصيات مرت في مسيرته

لسعد جمعة في مسيرته محطات مهمة مع كبار الشعراء الذين أثروا الساحة، كالأمير الشاعر (سعود بن بندر) رحمه الله، الذي غنى له ثلاث قصائد منها أغنية (قالوا تحبه) التي أحدثت ضجة في الوسط الفني، وأغنية (وش بيدي يا حبيبي) وأغنية (قريب)، وبعد لقائه بالأمير الشاعر (عبدالله بن سعد بن فهد) أعطاه قصيدة ولكن لم يكتب لها أن ترى النور. كما التقى بالأمير (سلمان بن سعود) وغنى من كلماته أغنية (عطيني يا زين حبٍ بلا حدود).

في زياراته لمدينة جدة التقى بالشاعر (إبراهيم خفاجي) – كاتب النشيد الوطني – والملحن (سامي أحسان)، وجمعته لقاءات كثيرة بالفنانين والشعراء الخليجيين والعرب مثل الفنان (عبدالكريم عبدالقادر) والفنان (صالح الحريبي) والفنان (خالد الملا) والملحن (خالد الزايد) والشاعر (خالد البذال) والدكتور (يعقوب الخبيزي) وفي مصر التقى بالموسيقار عمار الشريعي والفنان العماني سالم بن علي.

كما صور في مصر جلسات غنائية بالتعاون مع شبكة (أوربت) التلفزيونية، ضمت الفنانة السعودية (عتاب) والشاعر الكويتي (بدر بورسلي).

إضافة إلى كل ذلك كانت له العديد من الأغاني الوطنية، منها أغنية من ألحانه أداها – الدويتو – مع الفنان (سليمان الحسين).

تكريم

كرمته جمعية الثقافة والفنون، كما كرم في مهرجان الدوحة ولا يزال يطمح إلى المزيد.

مفارقات

يقول الفنان سعد جمعة، إنه أراد أن يصبح معلم تربية رياضية ولم يوفق في ذلك، ولم يكمل تعليمه، ولكنه عمل (كاتبا) في المحكمة الكبرى. أحب في صغره كرة القدم ولعب ظهيرا أيمن في نادي الهلال، وعمل أيضا في شركة الكهرباء ووزارة الإسكان عندما كانت تسمى المصلحة العامة للإسكان ومنها انتقل إلى مصلحة المياه.

يتطلع سعد جمعة إلى أيام حافلة بالصفحات، يتذكر متبسما، أنه ترك امتحان الصف الثاني متوسط هو وصديقه، خرجا من اللجنة مباشرة، للسفر إلى مصر بغرض الفسحة، ولم يعد إلى المدرسة مرة أخرى، لكنه نجح في إيصال إحساسه الجميل بصوته الذي امتزج بالإحساس والعذوبة، فحقق شعبية جارفة بين العمالقة ما أهله لأن يكون مستحقا لأن يكرم.




المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


زر الذهاب إلى الأعلى