الثقافة

الأغنية تموسق الشعر النبطي – جريدة المدينة

الأغنية تموسق الشعر النبطي – جريدة المدينة

استقى صنّاع الأغنية السعودية من عيون الشعر النبطي قصائد رنانة؛ كانت لهم نواة أعمال موسيقية بارزة، شدت بالكلمات النفيسة المتخضبة بروح اللهجة المحلية، فإذا بها تشكل مشهداً إبداعياً يسمو بالذائقة الفنية ويرفع الحاسة الثقافية، حيث إنها لطيفة المغنى ورقيقة المسمع، ولها روعة في ترانيمها وبهاء في ألفاظها وجمال في دلالاتها.وقد أحكم الفنانون السعوديون غناء القصائد النبطية، وتجلّى كذلك الملحنون في تأليف أنغام ساحرة، ورغم أنها لم تخط لغاية الغناء ولم تراع إيقاعاته وشروطه؛ إلا أنهم ترنّموا بها بأسلوب فاخر، محافظون على جنس أدبي مميز تتفرّع أغصانه من جذر الثقافة السعودية، إذ إن الشعر النبطي بمثابة تبلور ناجم عن الشعر الفصيح؛ غير أنه يكتب باللغة الدارجة على ألسن الناس، وله أيضاً بحور وتفعيلات ينظم الشاعر رائعته وفقها، معالجاً عدداً من المواضيع ببلاغة وبساطة من خلال قدراته الفنية.

وفي فجر الأغنية السعودية، سطع الفنان طلال مداح عام 1962م بقصيدة “يطلع ذراعه” من ألحان يوسف المهنا، وكلمات الشاعر محمد بن لعبون أحد رموز الشعر النبطي، وفي مطلع هذه القصيدة يقول:

“يطلع ذراعه خابر أنه زين

قصده يهيج شوقي الخافي

يربط به الشيله كحيل العين

قصده عذاب القلب واتلافي”..

كما أن المؤرخين والمتخصّصين وشّحوا ابن لعبون الذي ولد عام 1205هـ بلقب “أمير شعراء النبط”؛ لبراعته وتمكّنه، وهو يعد من أوائل ممن مزج الفصيح بالعامي، مستنداً على ملكة لغوية وعبقريته الشاعرية التي نمت منذ صغره حين شبّ في بيئة علمية ثقافية بكنف أبيه المؤرخ المعروف حمد بن لعبون، وكان لارتحاله في وقت مبكر من عمره بين عدد من المناطق مثل نجد والزبير والهند تأثيراً على آفاقه وموهبته.

ويعتبر الأمير والشاعر محمد الأحمد السديري -المولد عام 1915م- من البارزين في هذا الصنف الأدبي، ومن نتاجه الباذخ قصيدة ذائعة الصيت، قال فيها:

2

“يقول من عدى على راس عالي

رجم طويل يدهله كل قرناس

ذي راس مرجوم عسير المنالي

تلعب بها الأرياح مع كل نسناس”..

وتلقف هذه الرائعة الفنان محمد عبده في عام 1995م، ولحن أبياتها البهية وأتقن غناءها، حتى غدت من أجمل الأعمال الغنائية في الفن السعودي، وقد أصدرها آنذاك ضمن ألبوم أسماه “المعاناة” تضمّن روائع من الشعر النبطي، مثل “لا تشتكي من جور الأيام” للشاعر عبدالعزيز السناني، و “يا مدور الهين” للأمير الشاعر خالد الفيصل.

1

وفي عام 2001، فاجأ الفنان خالد عبدالرحمن الوسط الثقافي والفني بأغنية “الذاهبة”، التي ما زالت تتردد في كل زمان ومكان، فنفذت بنضارتها وثرائها إلى قلوب المستمعين قبل آذانهم، وظلت تحفة شعرية بسبب جمال كلماتها ودقة صورها وتوصيفاتها المأساوية؛ إذ خطها الشاعر ناصر القحطاني في أعقاب قصة مؤلمة عاش غمارها، قال في افتتاحيتها:

3

“الله اللي راد والعقدة قضاها اللي عقدها

لا على الدنيا سلام ولا لباقي العمر زينة

الفضاء ما كأنه إلا خيمة طاحت عمدها

والفرح ما كأنه إلا شيخ أنقصت إيدينه”..

وفي وقتنا الحاضر لا ينفك متذوقو الشعر النبطي عن الازدياد، ومن جهتهم يواظب الفنانون على إصدار أعمال من إبداعات هذا الفن الأدبي، ففي هذا العام أنشد الفنان رابح صقر قصيدة “معكازي” من كلمات الشاعر سعد بن جدلان، بينما أعلنت وزارة الثقافة عن تنظيم” مهرجان الشعر النبطي”، في ضوء مبادرة عام الشعر العربي، في منطقة القصيم خلال الفترة من 27 ديسمبر إلى 30 ديسمبر 2023.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


زر الذهاب إلى الأعلى