الثقافة

“حيموت”.. سيرة حياة تأرجحت بين التعاسة والسعادة

“حيموت”.. سيرة حياة تأرجحت بين التعاسة والسعادة

تطورت الرواية السعودية عبر عدة محطات بدءًا من مرحلة أحمد السباعي ومحمد عواد وحمزة شحاتة حتى غازي القصيبي وعبده خال وإبراهيم عباس (صاحب حوجن)، ود. محمد حسن علوان، مرورًا بمحمد علوان وسباعي عثمان وعبد الله الجفري، وخلال تلك المسيرة التي استغرقت عقود عدة، وصلت الرواية السعودية الآن إلى قمة نضجها على يد عشرات، بل مئات الروائيات والروائيين السعوديين الذين كتبوا الرواية الحديثة بأقلام إبداعية احترافية، بحيث اتخذت الرواية السعودية الآن مكانتها المتقدمة في عالم الرواية العربية المتميزة.من بين أبرز الأقلام الجديدة المبدعة الروائية فاطمة عبدالله الدوسري (بنت الريف) وروايتها (حيموت) التي حلقت فيها في سماء الإبداع لغة وخيالاً وفكرًا خصبًا متحرر بلا قيود.

و”حيموت” اسم بطلة الرواية، وهو الاسم الذي أطلقه عليها والدها بعد أن توفت والدتها وهي تضعها، وخرجت هي حية من بطنها، وهي أيضًا “حياة” الاسم الذي اختاره لها حبيبها فيما بعد سليمان، الذي أحبته من قلبها بالرغم من أنه متزوج ولديه أولاد، ويكبرها بسنوات عديدة.

الرواية تنتمي إلى نوع الرواية السردية الواقعية تتداخل فيها العديد من الدلالات والاتجاهات في النص والسرد والحدث والشخوص واللغة، ويظهر فيها البعد النفسي بشكل واضح، من خلال الألم والحزن والوحدة والمعاناة والفقد، ويسير ذلك بشكل مواز لأبجدية خاصة بالروائية التي غلفت روايتها بغطاء فلسفتها الخاصة وفهمها للحياة من واقع تجربتها الشخصية، وعلاقاتها بوالدها الشيخ مترك بن وهيد الذي وهبها حبًا أبويا لا مثيل له، وبأمها البديلة سراء زوجة أبيها التي كفلتها بعد وفاة أمها، وأخيها الشرير صايل، وصديقتها رقية التي ظلت ترافقها كظلها في مرحلتي الطفولة والصبا، ثم لم تلبث أن تنصلت من صداقتها وقد تناست عشرتهما الطويلة، ولم تظهر في حياتها مرة أخرى إلا بعد انقضاء سنينًا طويلة فلم تعرها “حيموت” أي انتباه، وصديقتها في الكبر د. فوزية، وأخيرًا سليمان الذي ظل حبيبها على مدى نحو ثلث قرن قبل أن يتزوجا وهي في نحو الخمسين من عمرها. وهذه هي الشخصيات المحورية في الرواية.

ومن مظاهر إبداعات المؤلفة – غير الإبداع اللغوي- أنها جعلت الجمل ملحان (قاتل والدها)، أحد شخوص الرواية والذي يرمز للغدر والجحود.

تكشف الروائية الدوسري في روايتها التي قسمتها إلى أربعة فصول عن نضج فكري ووجداني تمثل في العديد من الجمل المعبرة التي وردت في الرواية كقولها: “انسكبت الذكريات شلال ألم وفرح وحنين لا أعرف”.

وقولها: “بين الحزن والفرح خيط رفيع”.

وقولها: ” أحيانًا قسوة الحياة لا نراها في فراق الأحبة بل في وجودهم بالقرب وعدم قدرتنا على التواصل معهم”.

وقولها: “:آه عندما تأتي الليالي موحشة نقف على ألم الذكريات ومنزلقاتها العنيفة”، وغيرها كثير.

وفي البحث عن كينونتها تتساءل “حيموت” – التي من الممكن أن تكون في هذا الموضع هي نفسها فاطمة – “لو لم أكن حيموت ماذا يمكن أن أكون؟”، وهو ما يعكس مفهومها الخاص في فلسفة الحياة.

رواية “حيموت” رواية جديرة بالقراءة، لا سيما وأن المؤلفة نجحت بشكل لافت في الانتقال بسلاسة بالبطلة من حياة البادية، إلى حياة المدينة، ورصدت بشكل جميل مراحل تطور “حيموت” من الطفولة إلى المراهقة إلى النضج الكامل، وما تخلل ذلك من أحداث ومفارقات تعكس مفهوم “حيموت” للحياة وحقائقها المبهرة كمعرفتها في سن المراهقة بأن لمس يد الحبيب لا تؤدي إلى الحمل، وكالمقارنة بين حياة البادية وبين حياة المدينة (الرياض)، وهنا لابد وأن نتوقف عند كلمات أمها سراء: “فعلاً نحن بدو رحل حتى وإن سكنا المدن، أصالة الداخل تفرض أجندتها”.

تود الدوسري القول في نهاية المطاف بأنه من الصعب التخلص من الماضي فيظل يلاحقنا من خلال الذكريات التي لا تمحوها الأيام.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


زر الذهاب إلى الأعلى