الثقافة

ضائحي يستعرض تراث وحضارة الزراعة في المخلاف السليماني

ضائحي يستعرض تراث وحضارة الزراعة في المخلاف السليماني

أثرى الباحث الدكتور حسن بن يحيى ضائحي، المكتبة التراثية السعودية، بكتاب، عنوانه: ” الزراعة في المخلاف السليماني .. تراث وحضارة”.وجاء الكتاب في 296 صفحة، مقسمة على 5 أبواب، كان الأول منها: عن “الوضع الجغرافي للمخلاف السليماني”، وحيوانات وطيور البيئة، والرياح، والفصول والعشايا، وحساب المنازل، والثاني عن “الزراعة”، والثالث مقسم إلى ثلاثة فصول عن “الذرعة ومعاييرها” و “مساحة الأرض”، و “تراجم الذُرَّاع، الذين أخذ منهم الباحث معلوماته، والباب الرابع عن “كتابة الحجج”، والخامس عن “قاموس المفردات الزراعية” الواردة في الكتاب، وفيه أكثر من 300 مفردة مشروحة.

ونوّه الباحث بأن هذا العمل، ميداني ونظري، استقاه من بطون الكتب، ومن روايات “الذُّرّاع” في “جازان” مشافهة ومطارحة ومناقشة، مبيّنًا أنه كان هاجسًا عابرًا، تطور إلى فكرة، ثم ارتقى إلى أن صار كتابًا يبحث في أمور الحرث، والبذر، والمذاري، ومصطلحات الزراعة، وأسماء الأدوات، والمساحة، والتحجيج، وذكر أن “المخلاف السليماني” هو الاسم التاريخي لمنطقة جازان، جنوب غرب المملكة، ويطلق قديمًا على المنطقة الواقعة من شرجة حرض إلى حلي بن يعقوب.

وأشار إلى أنه رأى عروش هذا التاريخ الثقافي الاجتماعي تتهاوى على عرصاته وربوعه تنوح على آياته، فارتأى تدوينه، فهو تاريخ أمة وسجل حضارة، ولن يرى له بعد اندثاره من أثر، فمراجعه رجال ولّى أكثرهم إلى عالم الآخرة، ودواعيه وبواعثه قد أكلتها الحضارة المعاصرة، ولم يعد يعرفه اليوم، إلا بقايا المعمرين الذين صاروا من الرحيل قاب قوسين أو أدنى.

واجتهد الباحث في صياغة مفردات كتابه وتبويب فصوله؛ بطريقة تنم عن علمية عميقة، وبحث فيه تؤدة ورويّة وصبر، وتعاهده منذ عام 1395هـ بالتهذيب والزيادة والحذف، حتى استوى على سوقه، وخرج بأجمل حلة وأبهى صورة.

وورد في ثنايا الكتاب، خطوات الزراعة في “تهامة جازان” قديمًا، وهي: فترة النجاب، ثم فترة الجسد، ثم فترة الكمومة، بعدها مرحلة التليم، مع شرح لهذه المصطلحات الموغلة في الإقليمية، وأفاد أنه إلى منتصف العقد التاسع من القرن الرابع عشر الهجري، كانت الزراعة في “تهامة جازان” مقتصرة على الذرة والدخن والدجر والقوار والكشري والدباء والحبحب والبرطيخ والجلجلان والقطن والحور، أما البقل والملوخية والبامية والطماسيس والباذنجان فتزرع في المساني خاصة، ثم غُرس وزُرِع ما لذ وأطاب بعد هذا التاريخ؛ حتى غدت “جازان” سلة غذاء المملكة.

وأورد الباحث أوقات بذر الحبوب والفواكه والخضروات بدقة متناهية، موضحًا فروق الحساب بين النواحي حسب الخصائص الجغرافية؛ حتى وإن قربت المسافة بينها.

وجاء بحديث مفصل عن نظام ري المزارع في “جازان” قديمًا مع رسم تقريبي له، مبينًا أن ثقافة “الري والزراعة” لها قوانين متعارف عليها ومعلومة بين أهلها بالضرورة، غير أنها لم تدون في كتاب، ولم ترسم قوانينها في إثارة من علم؛ لكنها أصبحت جزءًا من حياة الناس المعتادة المتكررة التي يرثها الخلف عن السلف، وهي مبنية على مسلمات تتلاءم مع طبيعة مياه الأودية.

وألمح أن لنظام الري “أمناء” يختارون بعناية، ويفرغون ما نظّموه في وثيقة تسمى “قرار”، تصبح فيما بعد مرجعًا للتحاكم في حال الخلاف، وقرارات الأمناء، منها ما يجري العمل به مددًا طويلة قد تصل إلى مئة سنة أو تزيد، ومنها ما هو عرضة إلى النقض والتغيير كل سنة أو سنتين.

وتطرق الباحث إلى “الذرعة الشرعية”، ووصفها بأنها اسم يطلق على قطعة من النحاس؛ لقياس ” البز” واعتمد العمل بها بعد تحديد طولها من جهة تشريعية ما، وتعارف التجار عليها، ولذلك سميت “ذراعًا شرعيًا”، ومن المعايير أيضًا: “الباع” و ” القيراط” و ” المعاد” و ” الحبل”، موضحًا الفرق بين “حبل الذرعة” في جنوب جازان وشمالها، و ما نتج عنه من اختلاف طريقة حساب المساحة للأرض عند الفريقين، مع ضرب الأمثلة على ذلك بجداول للكسور العشرية والاعتيادية والرموز القديمة والمحدثة عند جميع الذرّاع.

وأوضح ضوابط التوثيق، وقال: “لم يستعمل مسمى الوثيقة لهذا المعنى في المخلاف السليماني، إلا في أواخر القرن الرابع عشر، وكان الناس يسمونها الحجة والبرهان والبصيرة والدليل”.

وأردف بقوله: “لو قرأت أي حجة شراء أرض زراعية في المخلاف السليماني، فإنك ستجد صيغة تشتمل على الحد الأدنى من متطلبات التوثيق، وهي: اسم البائع والمشتري والموضع المباع ومقداره وثمنه وحدوده ووصف البيع والشراء وأسماء الشهود واسم الكاتب وتاريخ كتابة التوثيق”.

واحتوى الكتاب على فوائد مبثوثة في صفحاته، اخترنا منها، ما نصه: “الحبايط – جمع حباطة – وهي هضاب مكونة من حجارة بركانية مخلوطة بتربة طينية وهي الأرض الواقعة بين الجبال العالية والسهول المنخفضة”.

ومن الفوائد: “كلما كان الوادي بعيدًا عن الجبال كان حضه من الروافد أكثر، وكلما كثرت روافده كان حضه من الماء أغزر”.

ويقول: “الخبوت تمثل حواجز بين الأودية، فليس في سهول المخلاف إلا واد يسقى بالسيل أو خبت يسقى بالمطر”.

ومن الفوائد أيضًا: “الدغابيس والعكابيش والعكش والريدة، نباتات متطفلة يأكلها الرعاة نيئة في فترة ما بعد العصر، فتكون حلوة مقبولة الطعم، وفي فترة الصباح تكون مرّة زعاقًا لا تساغ، فلا يقربونها”.

ومنها: ” الحور: شجيرة تزرع على السيل في أودية المخلاف، وإذا استتمت نموها وحان حصادها، قطعت أغصانها محملة بالأوراق، ثم جففت ووضعت في أوعية من العجار الصغار وجلبت إلى السوق، فيشتريها أصحاب المصابغ، ويدخلونها في مصانع بدائية؛ تستخرج منها صبغ للثياب”.

يذكر أن الكتاب احتوى على 18 وثيقة قديمة من القرن الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر، و 8 صور للمزارع وأدوات الحرث، و عشرات الرسوم البيانية والجداول الحسابية، أما في مجال التوثيق، فقد رجع إلى 65 مصدرًا ومرجعًا مخطوطًا و مطبوعًا، وإلى 29 راويًا، استفاد منهم في تدوين التراث الشفهي الزراعي القديم، الذي اندثر أو كاد يندثر في منطقة جازان.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


زر الذهاب إلى الأعلى