الثقافة

الرواية السعودية تعاني التهميش في السينما والمسرح

الرواية السعودية تعاني التهميش في السينما والمسرح

على الرغم من الحراك الملحوظ في المشهد الفني والثقافي حاليًا، وتعدد الأعمال الروائية والقصصية السعودية، إلا أن الرواية السعودية لازالت تعاني التهميش من جانب السينما والمسرح، وفيما يرى البعض أن الأزمة حاليًا تكمن في حالة الاستسهال والوقوع في فخ الصنعة الهزلية السطحية بدعوى الانصياع إلى رأي الجمهور، يرى آخرون عدم وجود أزمة في النص الروائى السعودي الذي يمكن أن يقدم قراءة واعية لتحولات المجتمع، وأن ثمة صعوبة في تحويل الرواية إلى المسرح والسينما تكمن في غياب السيناريست المحترف وبحث المنتج عن الربح بالدرجة الأولى. العلكمي: عزوف المنتجين عن الرواية السعودية

يقول الكاتب والناقد يحيى العلكمي: الحديث عن الدراما المحلية ذو شجون؛ وقد خرجنا من موسم درامي رمضاني محليّ لم نقطف منه أي ثمار من وجهة نظري، لأن ما قدّم من أعمال محلية لم يتجاوز الصنعة الهزلية السطحية والتي سبقتها ذائقة المتلقي ومستوى تفكيره، وأرجع السببب إلى أن صناع الدراما المحلية لم يقدّروا حتى الآن قدرات المتلقي وزوايا تناوله للأعمال الفنية خاصة الدرامية، واطلاعه على كثير من روائع الأعمال عبر المنصات المتاحة.

وأشار إلى عدم وجود إحصائية واضحة لرصد الروايات التي حظيت بالاستقطاب الدرامي، لكننا ومن خلال الملاحظة العامة نجد إعراضًا واضحًا من شركات الإنتاج عن الأعمال الروائية السعودية ومعظمها جدير بالحضور على شاشة السينما وخشبة العرض المسرحي، وظني أن مستوى تلقي هذه الأعمال عند مسيري الحركة الإنتاجية ما يزال لا يرقى إلى استكناه طرائق توظيفها وإحالتها إلى أعمال مشاهدة، فضلاً عن قلة -بل ندرة- كتاب السيناريو القادرين على تحويل الروايات الإبداعية إلى دراما مرئية متوافرة العناصر الفنية، ودعا إلى ضرورة مواكبة الإنتاج الدرامي تطور الذائقة المحلية وثقافتها الفنية العالية، وعليه أن يغادر منطقة الكوميديا الباهتة المترهلة وغير المتناغمة مع ما يشهده البلد من نمو وتطور في المجالات كافة، وألا يستسهل حضوره بوصفه عنصرًا فاعلاً في المشهد الثقافي بشكل خاص، وفي حركة التنمية بعامة.

الشقحاء: لا توجد أزمة في النص

ويرى الأديب والقاص محمد الشقحاء أن الرواية لم تغب عن السينما العربية والمسرح وإن اكتفت بالنص الذي يتفق مع الفكرة المقترحة لإنتاج شريط سينمائي أو تخدم خشبة المسرح، وإذا كان الحديث عن السينما والمسرح السعودي أولا لا توجد سينما سعودية شريط وصاله وإن كانت هناك ارهاصات عرض أفلام سينمائية في بعض المدن وأتذكر أن الطائف كانت رائده في هذا المجال، أما المسرح فنحن نجرب حتى الآن، البداية كانت في المسرح المدرسي ثم مسرح التلفزيون ومسرح الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ومسرح الجنادرية وكل هذه التجارب اكتفت بنص يكتب للحالة، واليوم نعيش فترة تنظير لمستقبل جديد من خلال هيئات وجمعيات وزارة الثقافة، ولعل الرواية تجد خشبة مسرح ومنتج وممثل سينمائي، مشيرًا إلى أن التلفزيون

أنتج قصصًا قصيرة كتمثيليات سهره وبعض الروايات كمسلسلات ولكن هذه المحاولات ماتت في المهد، وأشار إلى أن الأزمة ليست في النص، لأن النص الرصين موجود منذ نصف قرن لكن تكاليف الإنتاج واعتبار التمثيل مهنة وتحويل النص لسيناريو وحوار كانت عوامل مفقوده، ومع وجود المحفزات الداعمة من خلال وزارة التعليم والجامعات وغيرها، يمكن أن نرى الإنتاج الروائى السعودي في السينما والمسرح، ولفت إلى مشاركة منتجين سعوديين في إنتاج أعمال سينمائية ومسرحية، مشددًا على الحاجة إلى حاسة إبداعية فنية.

قدس: الإنتاج يبحث عن الربح السريع

من جهته أكد القاص والأديب محمد علي قدس وجود أزمة حقيقية في الإنتاج الفني لعدم مواكبته ما تمر به المملكة من تغيير وانفتاح وتنوع في السينما والمسرح والدراما عموماً، وقال: إن المنتجين ومؤسسات الإنتاج الفني الدرامي، تبحث أولاً وقبل شيء عن الربح السهل والسريع، وتعتمد على ضرورة خفض تكاليف الحصول على النص ومكافآت الكوادر الفنية وطاقم الممثلين، وكلما كانت أقل وأرخص يكون ربح الشركات المنتجة أعلى بغض النظر عن تميز النص وما فيه من تفاصيل مشوقة ومحبوكة، وقلة من شركات الإنتاج الدرامية والسينمائية، التي تجازف وتراهن على نصوص وأعمالٍ متميزة مهما كان حجم تكاليفها.

وبخصوص الحركة المسرحية كنا قد تأملنا كثيرًا في أن نشهد خلال هذه الفترة التي نهضت فيها الفنون عمومًا، حركة مسرحية توفرت لها كل عوامل النجاح بعد التغلب على كل المحاذير والمعايير التي كانت تحول دون تقديم أعمال مسرحية مكتملة العناصر، ولكننا للأسف لا نشهد اليوم إلا أعمالاً مسرحية مرتجلة، هي عبارة عن مواقف رتيبة من لوحات «ستاند كوميدي» لأفيهات ممجوجة بالغة الإسفاف.

النعمي: المنصات تدفع لرفع مستوى المحتوى

شاركنا الرأي الروائي عادل النعمي بالقول: سأكون صريحًا جدًا وربما سأغضب البعض باعتقادي الذائقة موجودة والدليل الجمهور العريض الانتقائي والمحب للأفلام القادمة من ثقافات أخرى، لكن أظن أن المشكلة تكمن في خوف المنتج من خوض التجربة وتبعات الخسارة المالية لأن الرواية تحتاج إلى تفوق المخرج إبداعياً على كاتبها، فهي كما تقول إيزابيلا الليندي لعبة التفاصيل الصغيرة فكيف سينقلها المخرج بصرياً.

وفيما يتعلق بعدم موائمة المرحلة للنص الرصين، قال النعمي: لدي اشتراكات عدة في منصات شهيرة، لنقل الأفلام، وهم يضعون قائمة اختياريه للأعلى مشاهدة عالمياً وكذلك قائمة أخرى لنفس دولة المشترك (المفاجأة) أن الأعلى مشاهدة في السعودية كان من نصيب الأفلام الأكثر دهشة وتعقيدًا، وهناك مصطلح في السينما، يقال له (شوهد من قبل) ويشير إلى مقاطع تجعل المشاهد يتوقع نهاية المشهد أو التسلسل السردي له من البداية إلى النهاية، وصناع الأفلام يعلمون بأن ذلك يجعل الأفلام مملة، وقد عملوا على تجاوز ذلك المأزق بأن جعلوا أفلامهم أكثر إبداع واستقلالية في تقديم محتواها، وهناك عشرة مخرجين اشتهروا بمدارس مستقلة حتى أني أتوقع من خلال طريقة إخراج الفيلم من هو المخرج العالمي الذي أخرجه دون أن أشاهد اسمه، فلكل مخرج مدرسته وقد درب المشاهدين على التسلسل المعقد لطريقة تقديمه لأفلامه، ورأى أن المشاهد مستعد، ولكن الاختلاف في كلمة رصين فهي تحيل إلى معنى جودة جوهر الرسالة، والفنون كلها تبنى على المتعة بينما تقديم العلم يبنى على المنفعة، وإذا كان المقصود بالرصين هو جودة النص والإخراج فأنا أتفق معك جداً فالمشاهد السعودي مستعد كليًا لخوض التجربة أما عن الرسالة فهي في الغالب مخفية أو عرضية وليست جوهراً في النص السنيمائي، وخلص إلى أن صناعة السينما ربحية في المقام الأول وهي تصنع ما يطلبه المشاهدون، ولديها ما يشبه موجة تسونامي من خلال قياس الأعلى مشاهدة في القنوات العربية، وبعد وقت سترغم المنتج على الاختيار الجيد لأن العالم مفتوح من خلال منصات الاشتراك السنيمائية.

العيسى: ضعف قطاع السينما والمسرح

من جانبه قال القاص والناقد سلطان العيسى: الرواية لم تكن غائبة بصورة كاملة عن السينما أو المسرح، لوجود الكثير من الروايات التي تحولت إلى أفلام أو مسرحيات، ومن أشهرها عالميًا زوربا اليوناني لنيكوس كازنتزاكيس، ومرتفعات وذرنج لإميلي برونتي، وجريمة في قطار الشرق السريع لأجاثا كريستي، وعربيًا رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، وفي بيتنا رجل لإحسان عبدالقدوس، ورجال في الشمس لغسان كنفاني، ورواية يعقوبيان لعلاء الأسواني.. وغيرها، ومع ذلك فإن العلاقة بينهم لم تكن جيدة دائمًا، والأسباب كثيرة ومتعددة لعل أهمها بحث صُنّاع المسرح أو السينما عن أصالة النص المكتوب، لأن اقتباس رواية ما يأتي بالدرجة الثانية من الأهمية على مستوى النص، وعليه فالبحث عن نص ذي فكرة جديدة كتبه سينارست أولى بالإنتاج المسرحي والسنمائي لاعتبارات فنية أو تسويقية، كما يهدد حضور الرواية الجيد صعوبة «تكييف» النص السردي ليتحول إلى بصري متحرك مع الحفاظ على روح العمل الأصلي والسينارست بالعادة يُفضل كتابة نصّهِ بصورة أصلية، وأشار إلى أن تحويل نص روائي إلى مسرحي أو سينمائي يكتنفهُ العديد من المعوقات الفنية ويحتاج إلى مهارات خاصة لدى كاتب السيناريست وربما تكاليف إنتاجية أعلى لا يتحملها المُنتج، ومن هُنا يظهر كذلك أن التكاليف المادية العالية للحصول على حقوق رواية مشهورة أو فائزة بجائزة مرموقة من المعوقات الإضافية التي تجعل المنتجين يحجمون عن الإقدام على تحويل الروايات إلى مسرحيات أو أفلام مع عدم ضمان نجاح العمل على المسرح أو الشاشة دائمًا، ولتحسين العلاقة بين النص الروائي والمسرح وشاشة السينما يجب توفير المزيد من عوامل النجاح، بتقديم عمل مؤسسي قائم على جهد مشترك بين الروائيين وكتّاب السيناريو والمنتجين ومنظمي وصنّاع الترفيه مع احترام القالب الكتابي لكل نص، والتقاليد الفنية التي بُني عليها، وتبقى العلاقة بين الرواية والسينما والمسرح متأزمة بصور متفاوتة بين دولة وأخرى ولعلها كذلك على الصعيد المحلي لدينا لتلك الأسباب السابقة، بالإضافة إلى أسباب محلية خاصة، مثل ضعف قطاع صناعة السينما والمسرح على مستوى عدد الأعمال المنتجة، وميزانيتها، وقدرات كتّاب السينارست، ولعل العلاقة تتحسن مع التفات صُنّاع المسرح والسينما لدينا إلى الروايات السعودية التي تحمل بين ثناياها الكثير من الموضوعات والأفكار التي تستحق عرضها على الشاشة والمسرح.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


زر الذهاب إلى الأعلى