التقنية

جينات جديدة: عن كريسبر والاختراق الحيوي

تقنية الهندسة الوراثية و تعديل الجينات “كريسبر – CRISPR” و الاختراق الحيوي.

تنتشر في هذا العالم الكثير من الأمراض الوراثية، مثل السكر والضغط، وتوجد العديد من الأمراض الأخرى التي تعتبر أخطر منها مثل ضمور العضلات والتي قد تصيب الأطفال من سن مبكر. وقد يكون من الصعب معالجة هذه الأمراض في الوقت الحالي، إلا أن هناك تطورات جديدة في علوم الأحياء تعطي الناس أملاً في التخلص من الأمراض الوراثية والمزمنة ومن يدري، لعلها تسهم في ظهور نوع بشري جديد.

لو كنت من المتابعين للأخبار العملية فلابد أن مصطلح كريسبر قد مر عليك. تسمح تقنية كريسبر للعلماء تعديل الجينات البشرية عبر استبدال سلاسل DNA بأخرى، مثلاً يمكنك استبدال السلاسل التالفة المسببة للأمراض الوراثية بأخرى صحيحة للقضاء على المرض، وهو أمر استغلته شركات تصنيع الأدوية حول العالم، وبدأت في تصنع أدوية تستخدم هذه التقنية ولكن بتكلفة عالية على المريض قد تصل لمليوني دولار أو أكثر.

الاختراق الحيوي

كما يوجد أشخاص يعملون في مجال المصادر المفتوحة على مستوى البرمجيات، ويحاولون توفير بدائل لبعض البرامج التجارية، فقد ظهرت فئة جديدة تحمل نفس الفكر ولكن على مستوى الأحياء، وهم يحملون إسم Biohackers والتي نستطيع أن نترجمها إلى “المخترق الحيوي أو البيولوجي” …مارأيكم في كلمة بيومخترق؟

عليَ أن أوضح أن كلمة Biohackers تستخدم بشكل واسع لتشمل العديد من الأفكار. فالأشخاص الذين يزرعون شرائح في أجسامهم، أو الذين يحاولون تحسين أدائهم وانتاجيتهم باستخدام الأدوية ومراقبة دورات النوم مثلاً، يصنفون تحت هذه الفئة، ولكن حديثي في هذه المقالة سوف يكون مقتصراً على الفئة المهتمة بالتعديل في الجينات.

هناك ميزة حسنة حين يتم التعديل على المستوى الجيني، فأنت تستطيع القضاء على العديد من الأمراض الآن، وفي نفس الوقت تستطيع أن تورث هذه التغييرات لأبنائك، لتجنبهم الأمراض الوراثية مثل السكر والضغط، وحتى صلع الشعر! هذه التعديلات ستكون هي النواة الأولى للقضاء على الأمراض، وتحسين الحياة البشرية.

ولكن حداثة تقنية كريسبر جعلتها مصدر ربح للشركات المصنعة للأدوية، التي بدأت في الاستفادة منها في تحقيق أرباح عالية جداً، وأصبحت تبيع الأدوية بأسعار مبالغ فيها. هذا الأمور جعل العديد من شركات التأمين تتعامل مع هذا النوع من العلاج بأقصى درجات الحذر، وفي بعض الأحيان يتم رفض تحمل تكلفة العلاج، والمريض هو المتضرر لأن وقع بين شركتين، الأولى تريد تحقيق أرباح هائلة، والثانية لا تريد خسار الكثير من المال.

هذه المشكلة التي مازالت حديثة نوعاً ما أسهمت في ابراز ظاهرة المخترقين الحيويين، الذين يتبنون فكرة أن يكون الكل قادراً على القيام بالتعديلات الجينية على نفسه، وهناك بعض الأسماء المعروفة في هذا المجال الصغير أشهرها جوزياه زاينر (Josiah Zayner) الذي اشتهر بعد أن قام بحقن نسه ببعض الجينات التي تهدف إلى تعديل الكتلة العضلية في جسمه، وهذه التجربة رغم أنها لم تظهر النتائج المرجوة، إلا أنها سلطت الضوء على مجتمع الاختراق الحيوي والذي يضم العديد من الناس من حول العالم، وبعضهم ليس متخصصاً في هذه العلوم، بل دخل هذا المجال عن طريق الاطلاع والتجربة الشخصية وهم أقرب للهواة.

المخترقون ضد الشركات الكبرى

يرى المخترقون الحيويون أن شركات الأدوية تستغل تقنية كريسبر بطريقة بشعة، فهي لا تكلف الكثير من المال، لكن الشركات تعمل على تسجيل براءات اختراع للعديد من الأدوية التي تحمل مسمى “علاج-جيني” وثم تستخدم هذه البراءات لحجب المنافسة، ومن ثم الاستفادة لتحقيق أكبر ربح ممكن.

لذلك يحاول المخترقون الحيويون الترويج لفكرة أن يقوم الناس بحقن أنفسهم بالأدوية التي تعمل على إصلاح الخلل الجيني، ورغم النية الطيبة التي تقف وراء هذه الفكرة إلا أنها تأتي بالكثير من المشاكل.

أول المشاكل هي النتائج الجانبية، فنحن لا نتحدث عن حبة بندول، بل عن مركبات قادرة على تعديل الشفرة الجينية البشرية، وهنا تترجح كفة الشركات الكبرى التي تمتلك المصادر للقيام بكافة التجارب الإضافية اللازمة لتتأكد من خلو الأدوية من أي مضاعفات أو مشاكل، وقد تشتمل هذه التجارب على الحيوانات والمحاكاة عن طريق الحواسيب الخارقة، أما البيوهاكر فإمكانياته المحدودة تعني انعدام التجارب الكافية واللازمة لتتأكد من صلاحية الدواء.

هناك ميزة اخرى للشركات وهي أنها تخضع للتدقيق الحكومي، بمعنى أن الحكومات لابد أن تراجع النتائج وتتحقق من صحة الإدعاءات قبل أن تسمح ببيع الدواء، ورغم أنها قد تكون بيروقراطية إلا أنها وجدت لتحميك من عواقب وخيمة.

جدل مبكر

لا يزال الجدل حول العلاج الجيني في بدايته، ولكن من المهم أن نفهم أبعاده لكي نتجب الوقوع في المشاكل التي تواجهها المجتمعات الاخرى، ولعل أحد الأمور التي تخطر ببالي من أجل تقنين تصنيع الأدوية هو أن تقوم مجموعة من الحكومات بشراء براءات الاختراع التي تمتلكها بعض الشركات ومن ثم تبيعها للعديد من شركات الأدوية الأخرى بنظام الرخصة لضمان توفر الدواء بأسعار تنافسية بدل أن تترك التحكم بيد شركة واحدة.

هناك أمور اخرى بدأت بعض الدول في تقنينه مثل استخدام المعدات الرخيصة على البشر، فقد وضعت ولاية كاليفورنيا قانونا متعلقاً باستخدام كريسبر، ولكن هذه القوانين مازالت في بداياتها.

من يدري لعلنا ندخل الصيدلية بعد بضع عقود للحصول على حبوب تساعد على إعادة الشباب وتكبير العضلات وتغيير لون الشعر… أو قد يتحول الأمور إلى فوضى عارمة وننتج تعديلات جينية تقضي علينا جميعاً.


رابط المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


زر الذهاب إلى الأعلى