الثقافة

جوائز «قاصرة نظر» تسوّق الأعمال الرديئة – أخبار السعودية

جوائز «قاصرة نظر» تسوّق الأعمال الرديئة – أخبار السعودية

ساور القلق، وانتابت الشكوك عدداً من المثقفين؛ بسبب استخفاف بعض القائمين (على رأس جوائز أدبية) بالأعمال النوعية الجادة المميزة والمستحقة للفوز والتكريم، والاستعاضة عنها بأعمال رديئة، بسبب مواقف أيديولوجية، أو فنيّة، أو لتصفية حسابات شخصية.

الناقد أحمد بوقري يؤكد أن الجوائز الأدبية، فقدت مصداقيتها خصوصاً في عالمنا العربي، إذ هناك محاباة كبيرة وواسطات وشلليات وهي في حالتها هذه لا شك تسوّق للرديء..

فيما قالت الكاتبة الفلسطينية تغريد سعادة: من متابعاتي لنتائج الجوائز الأدبية العربية بشكل عام وعلى مدار سنوات طويلة أعتقد أنه لا يمكن اعتبارها تقديراً للأعمال المستحقة، بقدر ما تأخذ بعين الاعتبار محددات معينة لتكون صالحة للفوز في البلد الحاضن للجائزة. وأوضحت أنه لا يمكن التقدم أو اختيار عمل أدبي إذا كان لا يصب في السياسة العامة للدولة الحاضنة للجائزة، إضافة لارتباطها بمحدد آخر؛ يتمثل في صلاحيتها للترجمة وتقديمها للعالم بما يساعد على الترويج لسياسة ما. وأضافت: إن إعطاء أهمية لما لا يستحق واستخدام الإعلام الموجهة للترويج له، فيه من التضليل وخلط الأوراق ما يهضم المبدع الحقيقي المستحق للفوز. وترى أن التوجّهات السياسية والفكرية تلعب دوراً محورياً في كل الجوائز محلياً ودولياً، وحمّلت لجان التحكيم المسؤولية، إذ بعضهم يتعاطف مع ما لا يستحق، وكثير منهم يحاولون إرضاء البلد الحاضن، وهذا فيه نوع من الارتزاق والتضليل ويمسّ بالنزاهة الأدبية، وطالبت بمراجعة وتقييم للجوائز الأدبية التي انتشرت للاستفادة من الأخطاء، ولتقويم مسار الثقافة العربية، وإعادة الاعتبار للعمل الثقافي الإبداعي، بالقضاء على ظاهرة استسهال الكتابة المتفشية في المنطقة العربية دون مراعاة لشروط الإبداع.

فيما عدّ القاص عبدالواحد اليحيائي الجوائز شراً لا بد منه، هي أحياناً تروّج للرديء ولكنها أيضاً تحفيز للجيد، ويرى أنه في مجال المفاضلة بين الأعمال ينبغي أن تكون الجائزة للأفضل. وتساءل: ما ذنب الجائزة إن كانت الأعمال المقدمة كلها سيئة ولا يتاح خيار حجب الجائزة؟ ويجيب: أعتقد أن للجان التحكيم دوراً كبيراً في الرقي ليس بالأعمال فقط بل بالقيمة المعنوية التي تحققها الجائزة لمن ينالها. وأضاف: حين تدخل المحسوبيات والعلاقات والمؤثرات البعيدة عن ضوابط الفوز بجائزة إلى لجنة محكمة لا تتقدم الرداءة فقط، بل تتضاءل المصداقية وتنحدر المعايير الأخلاقية أيضاً. وتمسك اليحيائي بالتفاؤل مؤكداً بقاء الخير باعتباره الغالب، ولم يقطع الرجاء الكبير في لجان التحكيم العارفة والمنصفة المخلصة لترتقي الأعمال درجات بعد درجات وينال الجائزة من يستحقها بجهده وكمال عمله ورقي ذائقته ووعيه.

فيما يذهب الشاعر عمر شهريار إلى أن بعض الجوائز -وليس كلها- تخلق حالة رواج للمنتج الأدبي، خصوصاً بالنسبة للقارئ العام، الذي يعتقد أن فوز كتاب ما بجائزة ما، يعني أن هذا الكتاب حاز (خاتم الجودة) فيقتنيه مطمئناً، ولفت شهريار إلى أنه لو وجده وقت القراءة كتاباً رديئاً أو متواضع القيمة لن يعترف بهذا أمام ذاته، بل سيتهم نفسه هو كقارئ بأنه لم يستطع فهم الكتاب.

ويرى أن المتخصصين يعلمون أن فوز كتاب بجائزة لا يعني أكثر من أن هذا الكتاب وافق هوى لدى لجنة التحكيم وذائقتهم، ليس أكثر من ذلك، ولا يعني ذلك ضماناً بأي شيء، فربما لو تغيرت لجنة التحكيم وجاءت أخرى بذائقة مختلفة لتغيرت النتيجة تماماً، وفاز كتاب آخر، وقال: هذا بالطبع لو افترضنا النزاهة في الجوائز ولجانها، ولو تجاهلنا تماماً سطوة بعض دور النشر في توجيه الجوائز، وسلطة رأس المال، أو شعبية كاتب ما، أو نزوع بعض الجوائز إلى التدوير والمحاصصة بين الدول الفائزة أو دور النشر المتغولة، مشيراً إلى أن هذا كله أو بعضه يحضر في كثير من الجوائز، ونلحظ أثره الواضح في أحيان كثيرة، ودعا للتخلي عن أوهامنا حول الجوائز، خصوصاً في واقع مثل واقعنا العربي، لا شيء فيه يسير ببراءة وشفافية واستقامة، إذ غالباً ما تكون هناك كواليس خفية وأساليب ملتوية تحكم كل شيء، بما يجعل الجوائز، العربية ليست أكثر من دعم مادي للأديب الفائز، لينتشله من بين براثن الفقر والحاجة، وتربيت رهيف على كتفه بأن يستمر، إلا أنها ليست إطلاقاً ضماناً بالجودة، بل لا أبالغ حين أقول إن بعض الجوائز من فرط رجعية توجهاتها الأدبية تخصم من رصيد الفائز بها، ولا تضيف له إطلاقاً كما يرى.

الفوز.. تحفيز للتنوير

يؤكد الشاعر عبدالرحمن مقلد أن الجوائز مهمة للغاية في دعم الإبداع، وتوفير مكسب مادي للكاتب تعينه وتشجعه على عمله في الكتابة، وتحفز لتنوير المجتمع ونشر الجمال والمعرفة، وإمتاعه بالفن الحقيقي، ويرى مقلد أن بعضها يحيد عن غايته، ويتحول إلى مفسدة للأدب والفن، بأن تفرض شروطاً معينة أو شكلاً واحداً، ما يجعل المبدع مضطراً لمجاراة، طمعاً في المكسب، وبالتالي لا يكون الفن مقصده، وإنما مقصده المال ما يعيدنا إلى مشهد التكسب. وقال: للأسف هناك جوائز ومسابقات وجدنا من يتقدمون لها ومن تقدمهم يكتبون نصاً واحداً متشابهاً، كأنهم يقلدون نموذجاً أعدَّ مسبقاً، وهذا أمر جد خطير لأنه يمسخ الأرواح، ويقضى على سمة الاختلاف والتنوع، كما أنه يقمع محاولات التجديد، ويمنع المغامرة، ويوقف التجريب، في مقابل مزيد من الترسيخ للتقليد والعادية والوقوع في فخ الشكلانية.

وأضاف: بالطبع ليست كل المسابقات والجوائز على هذا الشكل، وهناك من يدعم الحداثة والتفكير الحر والتطور، إلا أنها قليلة وغير مغرية مادياً في مقابل الجوائز التي تنحاز للتقليدية. ودعا مقلد المانحين للتنبه لمدى خطورة هذا التوجه على العقل الإبداعي العربي الذي يدعى إلى التكاسل والتكلس والتخاذل والدعة، وهو ما لا يتوافق مع حاجة العربي اليوم لمزيد من التقدم والحداثة والتطور والنظر للأمام.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


زر الذهاب إلى الأعلى